منال لاشين تكتب: 30 مليار جنيه.. عربون الثقة بين السيسى وأهل البيزنس

مقالات الرأي



■ عشر شركات حصلت على أعمال فى مشروع شرق التفريعة وأكثر من 29 شركة عملت فى قناة السويس الجديدة

اعتادوا على الشكوى والربح الخرافى

تكبر النساء فى مصر جيلا بعد جيل على مثل شعبى شهير أو بالأحرى حكمة شهيرة. «ابنك على ما تربيه وزوجك على ما تعوديه»، وإذا كان كل المصريين أبناء للوطن، فإن بعض أهل البيزنس يدخلون بممارستهم تحت نطاق الزوج، زوج تعود على أن يأخذ كل شىء ولا يضحى بشىء، زوج أدمن الشكوى بسبب أو بدون. زوج لا يعرف الأعذار ولا يقدر الظروف.المهم أن يحققوا كل أهدافهم ويزيدون أرباحهم فقط، وأعتقد أن قصة الأسبوع الماضى بين الرئيس وكبار أهل البيزنس تؤكد المثل الشعبى.

خلال احتفال بدء تنفيذ مشروع تفريعة شرق بورسعيد خص الرئيس السيسى رجال الأعمال برسالة مباشرة جدا، وإيجابية جدا جدا رسائل من «اشتغلوا وحطوا إيدنيا فى إيد بعض»، وكان ضمن الرسالة رسالة بألا يخاف رجال الأعمال لأننا بلد مؤسسات، ولكن استقبال بعض كبار أهل البيزنس للرسائل لم يكن بنفس حماس الرئيس.

بالطبع كانت كلماتهم تسبقها جمل من نوع أن ما قاله الرئيس رسالة مطمئنة أو إيجابية أو جاءت فى توقيت مناسب، ولكن ما بعد هذه الكلمات اللطيفة تنفجر بركان الشكوى. حين تقرأ وتسمع شكاوى بعض كبار رجال الأعمال خلال الأيام الماضية تشعر أن البلد خربت، وأن كبار أهل البيزنس أعلنوا إفلاسهم أو كادوا، وأنه لم يحصلوا على شغل منذ ثورة 25 يناير.

رجال الأعمال الذين توقفوا مرة أخرى على الطريقة المهينة للقبض على صلاح دياب، والأيدى المرتشعة ووقف الحال وعدم بدء مشروعات جديدة والملف الأكثر حساسية وسخونة وهو التعاقدات والاستثمارات مع دولة مبارك.

1-بيزنس القناة

يروج كبار أهل البيزنس بوقف الحال، وبالطبع الاستثمار والبيزنس فى مصر ليسا فى أفضل حالاته ويعانى من مشاكل متعددة، ولكن هذه المشاكل لم توقف عجلة المشروعات بالنسبة للكثيرين من رجال الأعمال، والترويج أيضا لأن الهيئة الهندسية تتولى المشروعات هو ترويج خاطئ وشرير. لأن مشروعات القناة يتم تنفيذها من خلال شركات قطاع خاص مصرية، وذلك تحت عباءة أو مظلة الهيئة الهندسية. فى مرحلة حفر قناة السويس الجديدة كانت أكثر من 29 شركة مصرية تعمل فى حفر القناة، ونفس الأمر ينطبق على مشروعات الطرق.

وبالمثل فإن مشروع شرق بورسعيد يعمل به مع الهيئة الهندسية أكثر من 10 شركات مصرية قطاع خاص.

ولم يحدث استبعاد لأى من شركات الكبار سواء لخلاف فى الرؤى أو الرأى. فعائلة ساويرس عملت ولا تزال تعمل فى مشروعات مشتركة مع الهيئة الهندسية منذ ثورة 30 يونيو.

وبعيدا عن قناة السويس فإن الحكومة منحت شركات كبار رجال الأعمال مشروعات مهمة وبمليارات الجنيهات.من بين هذه القائمة مشروعات إقامة محطات الطاقة سواء الشمسية أو العادية، وعلى رأس المستثمرين شركة القلعة التى يترأس مجلس إدارتها الدكتور أحمد هيكل، وهناك مشروعات أخرى لشركات عائلة السويدى، وغيرهم كثيرون. وخلال الأشهر الماضية ومع حكومة شريف إسماعيل بدأت وزارات عديدة فى مناقشة وعرض مشروعات على كبار رجال الأعمال، فى التموين مشروعات بمليار جنيه وفى الكهرباء مشروعات بأكثر من 6 مليارات جنيه فى المرحلة الأولى، وتزيد مشروعات وزراة النقل على 90 مليارا بينها نحو 6 مليارات لتطوير السكك الحديدية، وكل هذه المشروعات مطروحة على القطاع الخاص المصرى، وبعضها تم الاتفاق على تنفيذه مع شركات أهل البيزنس فى مصر.

وعلى الرغم من صعوبة الظرف الاقتصادى، وعلى الرغم من معوقات الاستثمار.رغم هذا وذاك فإن معظم شركات كبار أهل البيزنس قد حققت أرباحا فى عام 2014، والأشهر التسعة الأولى من عام 2015، وإذا كانت المقاولات قد حصدت أكبر الأرباح فإن مشروعات الاتصالات والكهرباء وبالطبع المواد الغذائية قد حققت أرباحا خلال العام الماضى.

فالخسائر لم تعرف طريقها سوى لبعض المشروعات المتوسطة والصغيرة، ومع ذلك لم نسمع من كبار رجال الأعمال سوى الشكوى والتأفف وكأن الدنيا خربت.

2-لغز الربح

قضية الأرباح عامل مهم فى فهم شكوى أو غضب كبار رجال الأعمال، فقد تعود الكبار منهم على تحقيق أرباح هائلة قبل ثورة 25 يناير، فهم يتحكمون فى تحديد الأسعار فى مشروعاتهم، وهى مشروعات حصلوا على تسهيلات هائلة من الدولة لإطلاقها، وتركزت التسهيلات فى سعر الأرض وأسعار الكهرباء والغاز الطبيعى، وبالإضافة إلى تسهيلات القروض من البنوك، ولذلك تعودت أو أدمنت هذه الفئة الربح الهائل والسريع، ولرجل الأعمال الإماراتى محمد العبار شهادة فى هذا المجال، فقد أكد العبار أكثر من مرة أنه حقق أرباحا من مشروعاته فى مصر توازى كل أرباحه من المشروعات فى البلدان الأخرى.

وخلافا لكل الأعراف الرأسمالية فى العالم، فإن هذه الفئة من رجال الأعمال لم تقبل بتذبذب الأرباح من عام إلى آخر، أو بتقبل الفكرة البديهية أن جزءا من أرباح عام قد يغطى خسائر عام آخر، أو أن ظروف السوق والاقتصاد قد لا تسمح بتحقيق نفس معدل الأرباح.هذه المفاهيم الأساسية لم تصل إلى معظم كبار رجال الأعمال فى مصر، ولذلك لم ولن يشعروا بالرضا ولا الحماس لمعدلات أرباح أقل مما تعودوا عليه، وأن المشكلة ليست فى الأيدى المرتشعة أو الإجراءات البيروقراطية، فمصر لم تكن قبل 25 يناير جنة الاستثمارات، ولكن المشكلة الحقيقية هى قبول العمل لتحقيق أرباح أقل من مستويات ما قبل 25 يناير، وهذا القبول أو الرضا عنصر معنوى، ولكنه محورى ليعود الحماس لرجال الأعمال للاستثمار فى مصر.

3-الملفات الشائكة

وبالاضافة إلى قضية الأرباح التى لا يرغب رجال الأعمال أو كبارهم فى الاعتراف بها، فثمة قضيتان أو ملفان شائكان بالفعل.أولهما أصداء قضية القبض على صلاح دياب، وهى طريقة قلت من قبل أننى أرفضها وأنه كان من الأفضل استدعاء النيابة له، ولكن لا يعقل أن يظل كبار رجال الأعمال أسرى الغضب أو حتى الخوف أو الشعور بالإهانة عند هذه الحادثة. خاصة أن الأخطاء الفردية للشرطة لم تتوقف عند حادثة صلاح دياب، فهناك أربعة مصريين فقدوا حياتهم فى أسبوع فى أقسام الشرطة، والحق فى الحياة مقدم على الحق فى الكرامة، ولذلك يجب أن يتخطى كبار رجال الأعمال أزمة أو عقدة صلاح دياب. لأن ملايين المصريين يعملون ويعيشون بطريقة طبيعية رغم وفاة أربعة مصريين فى أقسام الشرطة.

الأزمة الثانية أو العقدة التى لا تجد حلا إلى الآن، وهى عقدة لا يمكن تجاهلها أو نسيانها. هذه العقدة تتعلق ببعض العقود والمشروعات التى أقرتها دولة مبارك، ولا شك أن احترام العقود والتعاقدات هو أساس دولة القانون، ولكن ما يردده كبار أهل البيزنس فى هذا الملف لا يمثل كل الحقيقة. لأن معظم كبار رجال الأعمال لم يحترموا التعاقد مع الدولة وقاموا بتحويل المشروعات الزراعية إلى عقارية، فضلا عن ظاهرة «تسقيع» الأراضى، ولذلك فإن فتح ملفات الأراضى فى نظام مبارك لا يعنى عدم احترام التعاقد، ولكنه يمثل قمة العدل واحترام القانون فى استرجاع حق الدولة.

وهناك بالطبع إجراءات قانونية بعد 25 يناير طالت بعض كبار رجال الأعمال فى قضية تخصيص الأراضى أو قضايا إهدار المال العام، ولكن فتح هذه الملفات كان ولا يزال من ضرورات العدالة الاجتماعية، فليس من المقبول لدى الكثيرين من الشعب ألا تتم إعادة توزيع ثروات مصر بعد ثورتين، وهناك طرق عديدة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن بين هذه الطرق تطبيق العدالة الانتقالية فى مجال الاقتصاد، وذلك من خلال فرض ضريبة ثروة استثنائية لمدة عدة سنوات على الثروات الكبيرة، وهذه الضريبة لا تفترض أن هذه الثروات قد جمعت من خلال الفساد، ولكنها تسعى إلى إقرار العدالة الاجتماعية بطريقة سلسة، وأن يدفع من استفادوا من قوانين نظام فاسد ضريبة استثنائية ومؤقتة. هذه الضريبة لصالح الملايين الذين أضيروا فى النظام الفاسد، ولكننا لم نقبل هذا الاقتراح بل إننا من سرنا فى طريق عكس تماما، فبعد من كان أعلى سعر للضريبة 30%. تم تخفيضها إلى 22.5%، وتم تجميد ضرائب أرباح البورصة لعامين، وأعتقد أن هذه الإجراءات هى أكبر دليل عملى على حب الحكومة للكبار من أهل البيزنس، وهى دليل دامغ لا يقبل التشكيك فيه. دليل على أن الطريق مفتوح إمام استثماراتهم.