منال لاشين تكتب: توابع زلزال القبض على صلاح دياب

مقالات الرأي



تدشين معركة أم إنهاؤها

■ طريقة القبض على دياب أفزعت أهل البيزنس والسياسة على حد سواء واستدعاؤه للنيابة كان الحل الأمثل 
■ السيسى قال لدياب من عام «أنت واخد أراضى الظهير الصحراوى».. ومحلب وبعض وزرائه حاولوا إقناع دياب بتسوية قضايا الأراضى ولكنه رفض
■ 25 من كبار رجال الأعمال يرفضون التبرع لصندوق تحيا مصر تضامناً مع دياب

نادرا ما ينزعج أهل البيزنس للقبض على سياسى أو ناشط أو صحفى، وفى المقابل تتعامل الصحافة مع القبض على رجل أعمال باعتباره خبراً صحفياً وعملاً مهنياً مكرراً.

ولكن لحظة أو بالأحرى صورة القبض على رجل الأعمال صلاح دياب أفزعت وأربكت وأغضبت نسبة لا يستهان بها من الجانبين. فدياب مؤسس وأحد ملاك جريدة «المصرى اليوم»، كما أنه يلعب فى السياسة من خلال حزب الوفد ودوائر أخرى، ولكن الانزعاج الأكبر كان بين أهل البيزنس أو بالأحرى كبارهم الذين كانوا الأكثر تأثراً بالقبض والصورة معا.

وعلى الجانب الآخر فإن هذه الصورة أحدثت حالة من السعادة وربما الشماتة لدى كثير من المواطنين العاديين، ليس عن معرفة شخصية بصلاح دياب أو لأنه من أوائل رجال الأعمال الذين هرولوا للتعامل أو التطبيع مع إسرائيل.

ولكن لأن معظم المصريين يرون فى صلاح دياب وأمثاله من كبار رجال الأعمال حيتاناً حصدوا كل ثروات وأراضى مصر خلال حكم مبارك. فى ظلم اجتماعى فاجر وفادح. ولذلك فإن صورة القبض على صلاح دياب بالنسبة لهؤلاء المواطنين كانت رسالة إيجابية جدا. مابين وجهات النظر المختلفة هناك توابع وآثار وأسرار وأخطاء من هنا وهناك.

1- إعلان حرب
القاعدة العامة أن رأس المال جبان، ولكن بعد الثورة تجرأ الجميع. وفى سابقة هى الأولى من نوعها أصدر اتحاد الصناعات برئاسة محمد السويدى بيانا يدين الطريقة التى تم بها القبض على صلاح دياب ونشر صور القبض عليه يعطى صورة سلبية للاستثمار ويفتح باباً للمتشككين. وعبر اتحاد الغرف عن نفس التوجه ولكن رجال الأعمال أو بالأحرى كبارهم لم يكتفوا بالبيانات أو الكلمات.

فبعد أن تفجرت أزمة السيول وتوابعها جرت اتصالات عديدة ومتنوعة بنحو 25 من كبار أهل البيزنس، وكان غرض الاتصالات دعوتهم للتبرع لصندوق «تحيا مصر» لمواجهة كارثة السيول والإسراع بالانتهاء من الصرف الصحفى بالمناطق المنكوبة. ولكن باستثناء اثنين من رجال الأعمال رفض الجميع التبرع. فالجميع غاضب أو متضامن مع صلاح دياب. ولكن الحقيقة أن المشاعر الحقيقية هى الخوف من أن يلقوا نفس المصير. وأنا اتفق مع رفضهم لطريقة القبض على دياب، وكنت أتمنى أن يصدر قرار من النيابة باستدعائه للتحقيق معه فى القضايا وحبسه على ذمة التحقيق إذا رأت النيابة ذلك. لكننى لا أتفق إطلاقا مع «الندالة» فى عدم التبرع لضحايا السيول من المصريين. أو مساندة الدولة فى إنهاء الصرف الصحى للمحافظات المنكوبة. لأن التبرع فى مواجهة هذه الأزمة هو أقل ثمن يدفعه رجال الأعمال الذين راكموا ثرواتهم بفضل الشعب المصرى.

وبالمثل لا اتفق معهم فى التهديد بإخراج أموالهم للخارج أو الترويج لشائعات. شائعات من نوع أن صورة القبض على دياب قد أدت لخسائر كارثية فى البورصة. لأن جزءاً كبيراً من خسائر البورصة فى الأسبوع الماضى يرجع إلى ضرب السياحة بعد حادثة الطائرة الروسية. فسياسة لى الذراع قد لا تكون السياسة المناسبة فى التعامل مع الأزمات.

والأهم أننى لا أتفق معهم فى الترويج لأن تحريك قضايا صلاح دياب جاء مباغتا، فهذه معلومة خاطئة تماما على الأقل بالنسبة لصلاح دياب.

2- إنذار مبكر
بعيدا عن قضية السلاح بدون ترخيص فأى قضية أو بلاغات التى تخص تخصيص أراض شاسعة لدياب أو شركاته ليست وليدة يوم أو لحظة. خاصة تحويل دياب للأراضى المخصصة للزراعة إلى منتجعات وفيللات وقصور، فالقضية مطروحة كبلاغات فى النيابة منذ ثورة 25 يناير. وتجددت بعد ثورة 30 يونيو. فخلال فترة الترشح للانتخابات الرئاسية جرى لقاء بين الرئيس السيسى ورجال الأعمال. وفى هذا اللقاء فتح ملف الأراضى الشاسعة التى حصل عليها رجال الأعمال بجنيهات قليلة والمزايا التى حصدوها خلال حكم مبارك. وخلال الحوار وجه الرئيس السيسى حديثه لدياب وقال له «انت واخد الظهير الصحراوى».

وبحسب مصادر رسمية فقد جرت اتصالات مع دياب لتسوية ملفات هذه الأراضى. وذلك من خلال بعض وزراء المجموعة الاقتصادية. بل إن لقاء جمع رئيس الحكومة السابق المهندس إبراهيم محلب وصلاح دياب منذ أكثر من ثلاثة أشهر. وتدخل وزير الصناعة السابق منير فخرى عبدالنور لدى دياب لإنهاء مديونية خاصة بشركة موانئ القاهرة وبالفعل سدد دياب نحو 14 مليون جنيه. ولكن لم يحرك ساكنا فى قضايا الأراضى ويبدو أن دياب لم يتصور أن تصل الأمور إلى هذه النقطة الحرجة. فبعد صدور قرار التحفظ على أمواله هو و16 آخرين فى قضية «نيو جيزة» تلقى دياب عشرات المكالمات من الأصدقاء. وكان تعليق دياب الدهشة مما حدث، ونفى دياب أى اتصالات به فى قضية الأراضى. ولكنه قال إنه فؤجئ بعدة لجان تفتيش من التموين على مصانع الحلويات «لابوار». و«لابوار» أحد مشروعاته المتنوعة والمتشعبة. فبيزنس دياب يشمل التوكيلات والمنتجعات والمشروعات الزراعية والتنقيب عن البترول.

ومعظم هذه المشروعات تتقاطع مع الحكومة سواء من خلال تخصيص الأراضى الزراعية أو العقارية أو اتفاقيات آبار البترول. وهذا التقاطع يشمل سعر تخصيص أو بيع هذه الأراضى وطرق الترخيص والتسهيلات الممنوحة فى السداد. ولذلك قلت منذ البداية أن موقف رجال الأعمال أو قياداتهم يتعدى التضامن مع دياب. فالخوف على مصائرهم هو المحرك الأكبر فى موقفهم الأخير. فهناك إحساس أو بالأحرى مخاوف من أن يكون دياب هو البداية وليس النهاية أو مجرد انذار.

3- حل نهائى
قضية التصرف فى أراضى الدولة هى واحدة من أكبر وأهم الملفات الاقتصادية والاجتماعية أو ميراث نظام مبارك. وما حدث من إهدار فى هذا الملف لا يمكن التجاوز عنه أو رفع شعار «عفا الله عما سلف». فلا تسامح فى هذا الملف سواء من أجل عيون الاستثمار أو مشاعر المستثمرين. ولكن التعامل مع الملف بطريقة «القطاعى» خطأ وخطر بالغين. لأن تراكم المخالفات والتجاوزات واتساعها وتشعبها يحتاج إلى تصرف خاص واستثنائى. وهذا التصرف أو الحل كان يجب الإسراع به بعد ثورة 25 يناير. الحل الأفضل للجميع أن يصدر قانون بإنهاء منازعات الأراضى. وذلك من خلال حصر كل المخالفات والتجاوزات وتحديد غرامات ضخمة جدا ومنح كل المخالفين مدة ستة أشهر أو عام لسداد الغرامات مقابل غلق الشق القضائى. وبهذا الحل أو القانون نغلق الملف مع حفظ حق الدولة والشعب المصرى فى ثروات بلده. فإذا تأخر أو تقاعس أو «طنش» أى رجل أعمال فسوف يكون مصيره السجن. وقد طبقت مصر هذا النظام مرة فى تجاوزات ومتأخرات الضرائب. وهذا النظام أخذت به عدة دول خاصة بعد الثورات. لأنه يتيح عودة جزء من حقوق الدولة والشعب لدى رجال الأعمال من خلال نظام قانونى يطبق على الجميع. ويجب أن نتحرك جميعا للعمل على إغلاق هذا الملف. فتبدأ الحكومة فى إعداد هذا القانون وإقراره، ولكن الأهم أن يقتنع كبار رجال الأعمال أنه بدون دفع الغرامات وتسوية الأوضاع ماليا لن تكون النهاية سعيدة. وأن يدرك أهل البيزنس أو قياداتهم أنه لا يمكن الفرار بما حصدوه من ثروات بالمخالفة للقوانين فى عهد مبارك. نحن نحتاج إلى حكماء يدركون أن للشعب حقاً فى ثرواتهم المتراكمة. حق أكبر من الضرائب أو شماعة أنهم يوظفون كام ألف عامل. لأن عدم إدراك أو بالأحرى إنكار هذه الحقيقة خطير، لأنه يغلق الطريق أمام كل الحلول إلا حل واحد. حل القضايا أو النيابات والسجون. مرة ثانية وعاشرة أنا ضد طريقة القبض على صلاح دياب وكأننا نقبض على بن لادن، لكننى ضد تأخير الحصول على حق الدولة أو التطنيش على حقوق الشعب. وبين الطريقتين مساحة يمكن أن يتحرك فيها الجميع.. الحكومة ورجال الأعمال معا.