د. رشا سمير تكتب: ليه تتعب لما ممكن تسرق؟

مقالات الرأي



أثار إعلان برنامج الفنان محمد صبحى ضجة وصخبًا على مواقع التواصل الاجتماعى..ضجة تراوحت ما بين الاستياء والاستنكار، ما بين التهكم والشماتة.. وهذه هى عادتنا وربنا ما يقطع لنا عادة!.. فالرجل الذى أعاد للمسرح هيبته واحترامه، وتبنى قضايا الفقراء والعشوائيات، قامت الدنيا ضده ولم تقعد وكأنه ضُبط متلبسا فى قضية سطو مسلح!..

إن ما حدث بالفعل هو سطو مسلح ولكن المتسبب فيه ليس صبحى، لأنه ببساطة مجرد منفذ لفكرة اقترحها المُعد أو المخرج..

وهذه للأسف ليست الواقعة الأولى ولن تكون بالطبع الأخيرة فى جرائم السطو المُسلح على الأفكار..

فأنا شخصيا كروائية تعرضت لسرقة إحدى قصصى القصيرة وتحويلها إلى مسلسل منذ فترة، بل وزاد الطينة بلة أن أجد روايتى الأخيرة معروضة على إحدى الممثلات بنفس العنوان وأسامى الأبطال، فمثلا وعلى الرغم من أن روايتى تدور فى عصر المماليك ومن البديهى أن تكون البطلة اسمها (قمر) إلا أن الصدفة حتمت أن يكون اسم بطلة المسلسل الذى يدور فى عصرنا الحالى قمر أيضا (ويالها من مُصادفة)!..

لولا أن الفنانة التى عُرض عليها المسلسل ورفضته لمجرد شعورها بأنه مُقتبس، صديقة عزيزة وفنانة مُحترمة لما عرفتُ بالأمر..

على النقيض تقوم أحيانا كُبرى شركات الإنتاج باقتباس أفكار من الروايات الموجودة بالمكتبات وتعطيها لسيناريست لتفصيل الفكرة بعد طمس ملامحها بأيدٍ لا ترتجف..وتظل الجريمة محصورة للأبد تحت عنوان «توارد الخواطر».

الحقيقة أننى أتعجب لموقف بعض المؤلفين الذين تتم سرقة أعمالهم ويصمتون صمتا مُبهما.. مثل ما حدث مؤخرا مع مؤلف تم تحويل روايته لعمل تلفزيونى من قبل سيناريست لها اسم وباع فى عالم كتابة السيناريو..المخزى أن المؤلف ظل يردد فى كل الغرف المغلقة أنه مكتئب بشدة بسبب سرقة روايته، وعندما سُئل فى العلن، صرح بأنه لم يشاهد المسلسل ولا يستطيع أن يجزم بأنه روايته!.

هذه الإجابة لم تكن سوى باب يفتحه المؤلف مع شركة الإنتاج حتى لا يخسر التعامل معها مستقبلا.. تُرى ماذا كان شعوره وهى تعتلى خشبة المسرح لتنال جوائز عن سيناريو رواية اغتُصبت منه رغم أنفه؟!.

هكذا يا سادة تُراق دماء الأقلام.. هكذا تُجبر المصالح البشر أحيانا على الرضوخ.. وكثيرا على المساومة.

الواقع الأليم فى مصر جعل من كل الأوساط غابة مُظلمة..البلطجة فيها هى العنوان.. والانزواء فيها من نصيب الشرفاء.. فالسرقة طالت الإعلانات والروايات والأفلام والأفيشات والبرامج.. وعلى الرغم من وجود قانون لحماية حقوق الملكية الفكرية إلا أن القانون غير مُفعل على الإطلاق.. فالبقاء دائما للأكثر نفوذا والأكثر مالا والأكثر تبجُحا.

فى الدول التى تحترم العقول وتضع سرقة الأفكار فى نفس الميزان مع سرقة الأموال..هناك رقابة صارمة على تلك الاقتباسات والسرقات، وهناك ملف ضخم لكل دولة يُدون فيه ما تمت سرقته من برامج وأفكار وغيرها من خلال لجنة كبيرة تتابع ما يحدث على الساحات الاجتماعية.

وعندما يذهب على سبيل المثال ممثل لأى تليفزيون من أى دولة لشراء حقوق الانتفاع من برنامج أو مسلسل..يتم فتح ملف تلك الدولة وفى ثوان يظهر على الشاشة عدد حالات السطو التى تمت من قبل الدولة المذكورة..

إذن فلا شىء يتم بالفهلوة إلا فى مصر..والطلبة الذين يتعلمون الابتكار فى الجامعات ينسونه فور انطلاقهم إلى سوق العمل ويتعاملون وفقا لقوانينه.. تلك القوانين التى لا تخرج عن مجموعة شعارات فهلوية مثل: «اللى تكسب به إلعب به».. «وليه تتعب لما ممكن تسرق».. «ولبس عمة ده لده».. وغيرها من المصطلحات التى أودت بنا إلى الهاوية!..

السرقة الأدبية فى مصر تتم فى ظل تجريم قانونى عالمى، وفى ظل سهولة التواصل بين أرجاء العالم وتبادل المعلومات فى دقائق، وذلك راجع لعدم التزام الدول العربية بما وقعت عليه بخصوص حقوق الملكية الفكرية..

إننى أدعو السيد وزير الثقافة الكاتب حلمى النمنم وهو رجل له قلم وفكر بأن يُفعل قانون حماية الملكية الفكرية ويُحاسب كل من تسول له نفسه ولو سرقة عنوان أو مضمون من عمل زميل آخر..

فالفكرة تصنع إبداعاً والإبداع قلب الحضارات والحضارة هى تاريخ الأمم..

فمن سيدى الوزير يحمى تاريخنا؟!.