د. رشا سمير تكتب: حق عرب

مقالات الرأي




تلقيت اتصالا هاتفيا فى الأسبوع الماضى عقب صدور مقالى الأخير من السيد سفير السعودية أحمد قطان..

وشعرت منذ الوهلة الأولى للمكالمة بنبرة غضب مكتومة وعتاب هادئ فى كلمات سعادة السفير.. فقد حمل مقالى الأخير عتابًا عليه حيث أقام حفلا للاحتفال بالعيد الوطنى للمملكة فى ظل الحادث المؤسف الذى وقع بمنى وراح ضحيته العشرات ولازال الباقون فى عداد المفقودين..وتمنيت لو سمعت تبريرًا من السفارة..

ولذا أعتبر أن مكالمة السفير قطان هى كرم أخلاق منه وحرص واضح على علاقة الحب والاحترام المتبادلة بين مصر والسعودية..فقد قرأ المقال وحادثنى ليبرر موقفه..حيث إنه على قدر المحبة يأتى العتاب، فأنا لم أندم على العتاب، ومن ثم استمعت إليه بمحبة المُعاتب..

لقد بدأت مقالى السابق بجملة أن لمصر «حق عرب» عند الدولة التى نحترمها ولم تراع مشاعر أسر كثيرة كست جدران بيوتها السواد وسكن مسامهم حزن الفراق..

استند سيادته فى تبريره إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنه لا حداد بعد ثلاث..ولذا فقد التزمت السفارة بفترة الحداد الشرعية وبعدها أقامت احتفالا فى أضيق الحدود.

كان لسعادة السفير عندى «حق عرب» وقد لزم على احقاقا للحق بأن أشكره على اهتمامه بما كتبت وأوضح موقفه..

ولكن لازال الحادث كبيرا والحزن بالغا والعتاب واجبا..ولازلنا نحن المصريين شعبا وحكومة متمسكين بكون العرب أشقاء وليسوا مجرد أصدقاء..ومن ثم فالمشاركة فى الأفراح والأتراح واجب علينا جميعا..والاعتراف بأخطائنا وتحمل عواقبها ضرورة تجمعنا وتصنع من الأمة العربية كلها حصنًا قويًا استطاع به صلاح الدين يوما أن يقف فى وجه العالم وينتصر عليه..

استوقفنى مصطلح طالما استعملناه فى مصر..وهو مصطلح «حق عرب»..

المصطلح نشأ فى مجتمعات القبائل البدوية فى مصر والتى تمثل قطاعا كبيرا من المجتمع المصرى، قطاعا لا يحكمه قانون بقدر ما تحكمه الأعراف..فلهذه المجتمعات الخاصة عادات وتقاليد تحكم أمور الحياة فيها من تعاملات وزواج وطلاق وتحسم الخلافات بينهم من خلال قانون العشم أو حق العرب..

جلسات حق العرب تتم بعيدا عن أقسام الشرطة وقاعات المحاكم، فالود والعشم والمحبة هى القسم والمحكمة.. هى القاضى والمتهم.. هى القانون والتشريع..

أما فى المجتمعات الأكثر تمدُنا، فالعلاقات باتت أكثر تعقيدا حيث تزاحمت المصالح وتصارع البشر على السيادة وفرض القوة، فساد منطق الغاب ولم يعد أمام أصحاب الحقوق سوى الانزواء..

وحيث إن الشىء بالشىء يُذكر، فما حدث للعامل المصرى الذى تم الاعتداء عليه فى الأردن يقع تحت طائلة نفس المفهوم، فقد تصور النائب الأردنى أنه فوق القانون، وتحمل العامل الإهانة من منطق الاستكانة والضعف..

لكن تدخلت الحكومة والسفارة واهتم جلالة الملك عبد الله، ومن ثم سوف يُقام لقاء نهائى فى منزل أحد وجهاء العقبة لتنظيم صك صلح عشائرى يتضمن فيه الاعتراف والاعتذار من قبل النائب زيد الشوابكة وإخوته على ما بدر منهم تجاه المواطن المصرى...وكان هذا دون شك حق عرب.

بالمثل فحين يٌهان مواطن سورى من إعلامية مصرية تصورت أنها تمتلك الحق لأن فى يدها ميكروفونًا فى إهانة شخص يبحث عن حُضن فى وطن لا يمتلك جنسيته..فهُنا يجب أن تزأر الحكومة المصرية، ويجب أن يقف المجتمع فى وجه المُخطئ ويجب أن تتم محاسبة الشخص أيا كانت مكانته..

وحيث إن الوطن العربى هو وطن واحد، جرحه واحد وحٌلمه واحد.. فلذا أرى أنه من الضرورى أن يعود مصطلح «حق العرب» ليتصدر أولوياتنا..

ولذا أدعو الحكومات العربية مُجتمعة فى إصدار ميثاق شرف مشترك لحماية كرامة العرب وحقوقهم على حد السواء، داخل حدود الوطن العربى وخارجه بصرف النظر عن الجنسية والديانة واللون..وفى حالة حدوث أى اعتداء على أى مواطن عربي، تُصبح مسئولية تلك الهيئة التى تضم ممثلين من كل الجنسيات العربية التصدى للمعتدى وإعادة الحق لصاحبه بغض النظر عن مكانته الاجتماعية أونفوذه وجنسيته..

واسمحوا لى أن اقترح تسمية تلك الهيئة باسم.. هيئة الحق العربى.