د. رشا سمير تكتب: امشى.. وياريت ماتستأذنش!

مقالات الرأي



كلمات قالها الرئيس من القلب مُحملة برسالة واضحة لا تحتمل الُمزايدة.. هى رسالة أسى حازمة أو رسالة حزم يُغلفها الأسى..

قال: «لما تتكلم فى شغلك، خُش فى تفاصيل شغلك واعرفه.. طب لو ماتعرفش، اسأل.. طب لو ماتعرفش، استأذن.. استأذن وامشى.. لأنها مش مستحملة تجارب».

تلك هى كلمات الرئيس التى عبرت ببساطة عن فلسفة المرحلة..

إنه الوضع العام للجهاز الإدارى المترهل للدولة كما يراه الرئيس.. ولكن.. كيف يراه المسئولون؟ وكيف يُريد أن يراه المواطنون؟..

استوقفتنى جُملة: (استأذن وامشي)! وتساءلت فى نفسي: ماذا لو أصبح كل منا رقيب على نفسه وقرر أن يتنحى عن مكانه لاستشعاره الحرج؟ الحرج من عدم القدرة على العطاء.. الحرج من التقصير.. الحرج من الفشل؟!..

إن الفرق بين الموظف فى مصر والموظف فى أى دولة أخرى، هو أن المرجعية عندهم هو الضمير ومرجعيتنا دائما هى الفهلوة والمحسوبية وخفة اليد..

وتبقى النظرية الوحيدة التى يتعامل بها المسئولون فى مصر هى نظرية (من دقنه وافتل له)!.

إن الجهاز الإدارى للدولة اليوم يتم التعيين فيه فقط من خلال الواسطة والمحسوبية، وبموجب القانون الجديد سيتم التوظيف بناء على الكفاءة والنزاهة، بجانب المسابقات الخاصة بالتعيين!..

كما سيتم إطلاق مدونة السلوك الوظيفى عبر الموقع الرسمى للوزارة، ومن خلالها سوف يقوم الموظف بالتوقيع على المدونة لتقييم نفسه، ومديره والعكس!..

هنا يجب أن أُشير إلى أن تقويم الأداء أهم كثيرا من تقييم الأداء..

فآفة المؤسسات الحكومية والقطاع الإدارى فى مصر من وجهة نظرى هى آفة الفساد!.

الفساد الذى سمح للموظفين بأن يتلاعبوا ويتلونوا ويطبلوا ويتحايلوا على كل المبادئ تحت شعار جُملة (أنا المُدير)!..

فإذا أردنا ضمان نجاح هذا القانون بحق يجب علينا أن نفتح باب استيراد مواطنين من الصين أو اليابان!.

سيادة الرئيس.. أشعر بالأسى فى نبرة صوتك وأحترم بشدة محاولاتك الدءوبة للإصلاح، ولكن المسألة وبكل بساطة هى أن إعادة الهيكلة تحتاج إلى إصلاح رأس المنظومة فى كل المؤسسات والشركات.. فإذا كان رب البيت بالدف ضارباً، فشيمة أهل المؤسسة كلهم الرقص!.

من سيراقب الإعلانات عن الوظائف التى سوف يتم الإعلان عنها؟.. ومن سيتابع المقابلات الشخصية؟ ومن سيضع التقديرات؟ أهى نفس الوجوه؟ أم دماء جديدة!.

المسألة فى مصر لم تعد مسألة تشريع قوانين، بل هى مسألة ضمان تنفيذها.

الإعلان عن الوظائف الحكومية توضع بشروط مُحكمة لتعيين شخص ما (بيبقى فاضل بس يكتبوا فى الإعلان مطلوب شاب أسمر طويل ساكن فى المعادى اسمه حاتم)!..

وتقييم الموظف من قبل رئيسه تحكمه مدى (ليونة) الموظف فى تدليل رئيسه وتحييده والتدليس له والتطبيل لكل هفواته.. أما وضع التقديرات فيتم بحسب (الهوى الشخصى) للمدير.. فمن يُحاسب هؤلاء؟.

تحدث الرئيس عن رواتب الجهاز الإدارى للدولة التى كانت 70 ملياراً فى 2011 ووصلت اليوم إلى 218 ملياراً!. أؤكد له أن الرواتب وحدها لم تحدث الفجوة، ما أحدث الفجوة هى البضاعة التى أتلفها الهوى!. السيارات الفارهة التى تُهدى للكبار من أجل البقاء فى كراسيهم المسمومة.. المُجاملات والمكافآ ت والهدايا العينية التى يفرقها المسئولون على الحاشية ليصبح الجميع فى مركب واحد..

فلازالوا يضحون بالشرفاء من أجل أن يعيش المتلاعبون المفسدون..

يا سادة.. التطهير سوف يأتى من على رأس المنظومة.. وبالتالى فتطبيق القانون سوف يردع الجميع.. وإصلاح الجهاز الإدارى لن يحتاج فقط إلى قانون بل يحتاج إلى الإطاحة بكل من يُطرمخ ويستفيد.. وليكن الحساب من قبل جهاز تنشئه الدولة ويكون مقره فى الرئاسة، جهاز تصُب فيه كل الإدارات القانونية الموجودة فى الدولة.. فلا يجوز لرئيس أى مؤسسة مكافأة أو تكدير مدير الإدارة القانونية لأنها لا تتبعه.

وأنا أقترح أن يتم إسناد رئاسة هذا الجهاز لرجل مُحنك قوى من الجيش المصرى.

يا سيادة الرئيس.. إنها بحق دعوة أستكمل بها خطابك.. ورسالة أخيرة إلى الجميع: والنبى يا اخواننا اللى مايعرفش، يتوكل على الله ومايتعبش نفسه ويستأذن.. سعيكم مشكور