سامى جعفر يكتب: ارفع علمك فوق أنت مصرى

مقالات الرأي



عادل حمودة يدعو لرفع أعلام الوطن فوق المؤسسات والمنازل فى «03 يونيو»

لا يوجد بلد فى الدنيا أجمل من مصر، وطن لا يعشقه سوى المجانين، الذين لا يعترفون بحسابات المنطق، لأن حب مصر علة، لا شفاء منها.

مصر أجمل بلد فى الكون، الأرض المفعمة بالسحر، والطلاسم، والمحروسة بالمعابد والكنائس والمساجد وضرائح الأولياء، وابتهالات المصلين وأنوار الإيمان، ونداءات المظلومين ونظرات العشاق.

هذا بلد معجون بخلطة سحرية، عصية على الفهم لكنها وصفة ممكنة للتعايش والتى تسمح بتجاور جميع المختلفين فى الأفكار المتفقين فى حب الحياة.

هل نحتاج إلى التساؤل مجدداً عن لماذا وكيف لفظت مصر جماعة الإخوان بمرشدها ومرسيها وشاطرها، بعد أقل من عام على احتلالهم عرش الفراعنة الذين اعتبروا مصر هى الأرض المقدسة لذا رسموا حدودها منذ وحدها مينا، واعتبروا أيضاً أن أهل مصر هم الناس، وعقاب المخطئ منهم إبعاده عنها.

ومن أجل مصر دعا الكاتب الكبير عادل حمودة، رئيس مجلس تحرير جريدة الفجر، إلى رفع أعلامها أعلى جميع المؤسسات الحكومية والخاصة، احتفالاً بتحرير مصر من حكم الجماعة الفاشية، وإنقاذ المصريين من خطر اندلاع حرب أهلية بينهم لن تبقى حجرا قائماً فى البلاد، ودعا أيضاً المحتفلين إلى رفع العلم الذى وحد المصريين واستظلوا به خلال ثورتين فكان قارب نجاتهم.

كانت الدعوة جرت خلال كلمة حمودة فى المؤتمر الذى نظمته الصحيفة فى 15 يونيو، بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيسها وتحت شعار «مستقبل مصر.. يد واحدة ضد الإرهاب».

نحتاج كثيراً بعد الفاصل الدموى الذى عاشته مصر فى عهد الإخوان إلى رفع علم مصر واستعادة نشيدها الوطنى الذى غرق فى بحور الدم ومستنقعات الخوف، وترديده مع كل مرة تصحو فيها الشمس.

مصر كانت فى عام حكم الجماعة، ليست وطناً واحداً ولكن بلدين وفسطاطين، وهى التى لم تنقسم منذ توحدها قبل 7 آلاف عام، ولم تفقد شبراً واحداً من ترابها المقدس،.. كان الإخوانى يعادى أخاه ويكاد يمد يده ليقتله، بدعوى تحقيق حلم تأسيس إمبراطورية شعارها سيفان متقاطعان، رغم أن الدماء التى سالت فى طريق الجماعة لتحقيق هذا الحلم كانت هى دماء المصرين أنفسهم منذ تأسيس الجماعة حتى اغتيال الحسينى أبوضيف، زين شباب صحيفة الفجر، الذى سقط بالقرب من أسوار قصر الاتحادية الذى كان مرسى متلهفاً إلى دخوله قبل الأوان فرحل عنه قبل الأوان أيضاً.

فى الفسطاط الثانى، كان عشاق مصر متجمعين فى الميادين ويتوقعون أن يرسلهم مرتزقة الإخوان إلى مكانين لا ثالث لهما السجن أو القبر، ولكن جميع الأماكن تتساوى إذا تحولت مصر بالفعل إلى ولاية إخوانية ترفع علم داعش الأسود، وتعتنق كراهية النور.

لم يقبل أحد الفريقين التصالح أو المساومة، على حلم ميليشيا أو على مصير وطن، كان محبو مصر يعزفون سيمفونية من الفعل السياسى السلمى، الشاعرى مكونا من موجات بشرية غزت الشوارع ومحت شرعية محمد مرسى وإخوانه بأقدامها، بينما كان شراذم وفلول الجماعة يتوعدون ويصرخون ويهددون ويستعرضون قوتهم بالسلاح، يعرضون على الأمهات فى البيوت والفلاحين فى الغيطان والموظفين فى الدواوين والمصالح إما أن نحكمكم كما نريد أو نقتلكم كما لا تريدون.

لا أحد يعرف لماذا لم يخش المصريون تهديدات الإخوان التى تواترت عبر جميع وسائل الإعلام، ومن أفواه أعضاء الجماعة أنفسهم إلى جانب فلول السلفيين الذين انضموا إلى تجمعات الجماعة فى ميدانى رابعة والنهضة، خاصة أن الفارق بينهما لا يتعدى طول اللحية ودرجة التشدد.

كان المصريون الذين نزلوا إلى الشوارع بالملايين يثقون فى أنفسهم، ثقة أكبر من قدرة خبراء السياسة على التوقع والتحليل، لذا هتفوا بسقوط غول الإخوان فسقطت الجماعة بعد أن بللت ملابسها الداخلية.

يثق المصريون فى أنفسهم وفى الجيش بشكل كان يعتبره البعض قبل ثورة 25 يناير، أمرا غريباً، وحين أجرى مركزا بن خلدون استطلاع رأى فى عام 2005، حول الجهة التى يثق فيها المواطنون فكانت النتيجة أن غالبيتهم وضعوا الجيش فى الترتيب الأول وبنسبة تجاوزت الـ80 %، وبعده القضاء بنسبة 15 % وأخيراً الرئاسة.  

رفع العلم ليس مجرد عمل احتفالى، نزهو به قليلاً، ثم نتوجه إلى البيوت وننام مطمئنين أننا أعطينا للوطن حقه، وساهمنا فى بقائه أمام بحر الصراعات الدولية المتلاطم الذى يزيل دولاً من على الخريطة، ويحرق دولا أخرى لعشرات السنوات ويمزق أوطاناً ويغرقها فى بحور من الدم والجوع والتشرد.

رفع العلم مجرد إشارة صحيان، ليعلم الجميع أن الوطن يدعو الأبناء ليعملوا، ويبنوا، ويحلموا بالمستقبل، لهم ولأبنائهم، يحلمون بمساحات خضراء وبيئة نظيفة وعقول وأجساد حرة، وبلد ينتج ليطعم العالم مطمئناً إلى أن احتياجاته مضمونة.

لا تحتاج مصر إلى أن يرفرف علمها عدة ساعات فوق الرءوس، بين الهتافات التى تخرج من القلب، ولكنها تحتاج إلى أن يضخ الملايين الثورة من جديد ولكن فى القلوب وليس فى الشوارع، التى تشتاق إلى تنهيدات العمال المتعبين من البناء والذين يفكرون فى تطوير المشروعات، وإصلاح المشكلات، وتوقع الأزمات.

يحتاج المصريون الذين طردوا الإخوان إلى التمسك بأهداف الثورة «عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية» وهويتهم الوطنية التى دفعتهم إلى طرد جماعة الكراهية والتحريم، من تاريخ مصر، حيث سيتم اعتبارهم مجموعة من الخوارج، الذين تتلخص مهمتهم فى الحياة على تنغيص معيشة الناس.

وتحتاج الدولة التى شاخت ولم تعد تكفى الأصباغ الرديئة على إخفاء تجاعيدها وتيبس عضلاتها وتكلس عقلها، إلى ضخ دماء جديدة فى عروقها،.. دماء شابة وعقول ناهضة لا تعرف معنى المستحيل.. مسئولون جدد لا يعرفون لغة سعادتك وأفندم وكله تمام.. استقالاتهم فى جيوبهم دائماً.. ولا يعتبرون المال هدفاً أو أن السلطة غاية.. تحتاج أقدم دولة فى التاريخ أن تصنع المستقبل بدلاً من تناول فضلات البلاد حولها.. معونات من هنا واختراعات مستوردة من هناك.

تحتاج مصر أن تحيا فعلاً.. تحيا مصر.