رشا سمير تكتب : نموت أو لا نموت؟ هذا هو السؤال

مقالات الرأي




فى عام 2006 دخلت سيدة مُسنة مُعدمة إلى أحد المستشفيات الجامعية المجانية لتجرى عملية تركيب شريحة دون مرافق، وبعد خروجها من غرفة العمليات وإفاقتها بساعات. حدث نوع من تشابه الأسماء بينها وبين سيدة أخرى تنتظر لإجراء جراحة أخرى، وحيث إن السيدة المُسنة كانت فى حالة لا تسمح لها بالرد. فقد تم اقتيادها مرة أخرى إلى غرفة العمليات لإجراء جراحة ثانية فى أقل من 24 ساعة!.

والله العظيم لقد حدثت تلك الواقعة.. وتم التحقيق فيها من الجهات الأمنية.

والنتيجة لاشىء!.. فكنا وقتها نحتاج إلى ثورة.

قامت ثورة 25 يناير.. وتغير وزير الصحة.

وفى عام 2012 نتيجة حادث وقع لشاب فى مقتبل العمر تعرض فيه لجلطة فى المُخ، وجرى به أهله إلى المستشفيات العامة والخاصة طمعا فى أن يجدوا جهاز آشعة مقطعية يعمل بكفاءة.. ومن هنا إلى هناك، توفى الشاب.. وحل مشكلته بنفسه.

وقامت ثورة 30 يونيو.. وتغير وزير الصحة.

وفى عام 2014 تعرضت إحدى السيدات فى مقتبل العمر إلى عملية سرقة كُلية فى محاولة بائسة لإجراء عملية إزالة حصوة من الكلية الأخرى فى أحد المستوصفات الخاصة.. وتغير وزير الصحة.

وفى عام 2015. وبعد ثورتين وعشرة وزراء صحة راحوا وجاءوا.. احتلت قضايا هامة جدا الساحة الاجتماعية والإعلامية.

مثلا، قضية المتحولين جنسيا فى العالم العربى وكم المُعاناة النفسية التى تعرضت له المذيعة وهى تحاور المتحولات وتهددهن بأن الدنيا مش فوضى.. (ترانى تأثرت)!.

وتبنى الإعلام تصريحات المُخرجة التى تؤكد على أن الجنس قبل الزواج يقى المتزوجين الكثير من المشاكل بعده!. (ده احنا يا خالتى لو عايشين فى بلاد زنزبار وبنعبد بوذا ماكنتش حتبقى عيشتنا سداح مداح كده)!.

وجاء الخبر الذى استحق بحق أن يتصدر الصفحات الأولى.. جمال مبارك يصطحب ابنته وزوجته إلى الهرم ويركب الحصان معها (يعنى المشكلة إيه؟.. إنه مارحش كوكى بارك، واللا المشكلة أن الفُسحة فكرتنا بموقعة الجمل وقلبت علينا المواجع)!.

وكأن مصر قد خلت من المشاكل.

لم يعد الضوء يُسلط إلا على الهُراء.. أين إذن مآسى المستشفيات؟!

فمن يمتلك المال يذهب إلى المستشفيات الخاصة التى تتعامل مع المريض على أنه بنك تسحب منه على المكشوف دون تقديم خدمة توازى الأموال المدفوعة. فقد تغلبت التجارة على المهارة، وتحول الطب فى أروقة المستشفيات إلى مؤامرة لاستنزاف المريض.

ومن لا يمتلك المال، فحدث ولا حرج.. هؤلاء أصبح الموت لهم علاجاً وراحة!.

فالموت أفضل من المرمطة والبهدلة فى مستشفيات الحكومة التى تتعامل مع المريض على أنه (شىء)!.

فهو لا إنسان ولا حتى ارتقى لدرجة الحيوان... مجرد (شىء)!

مُعاملة غير آدمية.. ونفوس تزهق كل يوم، ومستشفيات تكتظ بحالات تتمنى العلاج ولا تجده.

السادة وزراء الصحة السابقون واللاحقون، كل ما نرجوه منكم هو نظرة عطف.

متى يتحمل وزير الصحة مسئوليته؟ الصحة والتعليم هما حق المواطن المصرى فى بلد قامت فيه ثورتان من أجل العدالة الاجتماعية.

لو كانت وزارة الدفاع والداخلية فى حالة حرب مع الإرهاب، فما علاقة التعليم والصحة بتلك الحرب؟

يا سادة صحة المواطن مسئولية سيُحاسب عليها كل من جلس فى مقعد الوزارة ولم يقدم حلا.

القضية لم تعد مريضاً يتم علاجه أم لا.. القضية أصبحت مريضاً يدخل إلى المستشفى فيعيش أم لا!..