د.رشا سمير تكتب : الدفء الثقافى الذى أذاب الجليد السياسى

مقالات الرأي




بدعوة كريمة من وزارة الثقافة المغربية حللت ضيفة الأسبوع الماضى على معرض كتاب الدار البيضاء.. المدينة التى اكتسبت اسمها من لون قلوب أبنائها..

كانت المرة الأولى لى بالدار البيضاء، وهو ما أعترف بأنه تقصير لأن المدينة لها سحر خاص لا يضاهيه سوى سحر مدينة مراكش وأكادير، وبينهما فاس..

الحقيقة أن المعرض كان مهرجاناً ثقافياً التقت فيه البلدان العربية جميعها بكُتابها وناشريها تحت سقف واحد يتبادلون الأفكار ويعقدون الندوات ويثرثرون بآرائهم الشخصية فى أوضاع المنطقة على هامش المعرض..

كان المعرض حالة ثقافية أتاح لى الحظ أن استمع فيه إلى آراء كتاب وناشرين من المغرب وفلسطين وتونس والإمارات ومصر ولبنان وغيرها..

ولأن فلسطين كانت ضيف شرف المعرض فقد سُلطت الأضواء على الوفد الفلسطينى المحترم، الذى أصبح صديقا فى لمح البصر..

فكان لى شرف اللقاء بالأديب الفلسطينى يحيى يخلف رئيس الوفد والذى ألقى كلمة فى الافتتاح أكد فيها على العلاقة التاريخية التى ربطت فلسطين بالمغرب ودور المغرب فى دعم القضية الفلسطينية، والحقيقة لم يلبث الأديب المحترم إلا وأن أكد لى فى حديث مطول عن امتنانه لمصر الوطن الأكبر، وتقديرهم شعباً وحكومة لدور مصر الذى لا ينقطع فى دعم القضية الفلسطينية..

الشىء الوحيد الذى كدر صفو تكريم البعثة بحق كان هو الروائى عاطف أبوسيف الذى وصلت روايته (حياة مُعلقة) إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، ولم تكن تلك الرواية له سوى محاولة لتفريغ شحنة من الغضب جراء ما يحدث فى الضفة الغربية.. كتب ولم يتوقع الفوز ولكنه فاز.. فتمنى زملاؤه أن يكون ضمن الوفد الفلسطينى ليحضر إعلان الجائزة.. لكن...

وبكل قسوة الطُغاة وبكل أُمية الساسة تمنعه حركة حماس من السفر، فقط لفرض سطوتها على الدولة، فيعود وهو على المعبر منكسرا.. وفى حين يقفز زملاؤه فرحا لوصوله للقائمة القصيرة ويعانقون روحه التى طافت فوق القاعة، يبقى هو أسير جماعة لا تعترف بقيمة الأدب لأنها تُعانى من صمت الوجدان..

وها أنا أضم صوتى لصوت الأخوة الفلسطينيين وأتمنى له الفوز بالجائزة حتى تتصدى طلقة الحبر لصوت الرصاص..

لاحظت أن مستشارى وزير الثقافة فى المغرب من الشباب المُتقد الذهن المحترم.. شباب بدا عليه الذكاء وسرعة البديهة.. والحقيقة أن كل القائمين على ترتيب المعرض من الندوات والتوقيعات والترتيبات واستقبال الضيوف كانوا أناساً ممن يجيدون فن الترحيب وإزالة العقبات بابتسامة وحب شديد..

إن الشعب المغربى شعب له حضارة عظيمة أفرزت أجيالا مثقفة بدرجة عالية، وبالتالى كان نصيبهم من الروائيين كبيرا.. فعلى سبيل المثال وليس الحصر: الطاهر بن جلون، فاطمة مرنيسى، محمد الأشعرى، محمد برادة، بنسالم حميش، محمد عز الدين التازى.. وغيرهم..

فى أحاديث طويلة دارت بينى وبين الكتاب والنقاد المغاربة، استشعرت غصة فى صدورهم لأنهم يشعرون أن مصر ليست من المهتمين بالأدب المغربى على الرغم من قوته، وعلى الرغم من قراءتهم لكل ما يُكتب فى مصر.. وها أنا اليوم أكتب لأؤكد لهم أننا مهتمون وأدعو الجميع للاستمتاع بقراءة روايات هؤلاء الأدباء لأن سحر المغرب الخاص نسج روايات تمتاز بالعمق التاريخى..

كان للسيد مستشار وزير الثقافة عتاب على الإعلام المصرى الذى لابد أن يكون له دور فى دمج الثقافات وتعريف الشعوب العربية بعضها ببعض، بما أنه الإعلام الأكثر تأثيرا فى المنطقة.. وأنا أضم صوتى لصوته وأدعو القنوات الفضائية لعمل برنامج يصل الوطن العربى شرقه بغربه وشماله بجنوبه.. ويضم الأحلام العربية كلها تحت مظلة واحدة..

فلماذا لم يغط الإعلام العربى معارض الكتاب فى مختلف البلدان؟ ولماذا لا يتم نقل ندوات للكُتاب العرب تليفزيونيا لخلق تواصل ثقافى يمد جسوراً من المعرفة بين كل البلدان العربية؟..

إن الوحدة العربية التى يدعو إليها الرئيس السيسى لابد أن تبدأ بإعلام غير مضلل، قادر على توصيل المعلومة.. فهل من مُجيب؟!..

لقد كان لى كروائية أيضا حظ حضور حفل إعلان القائمة القصيرة لجائزة البوكر، وهو حدث أدبى مهم.. لحظات قرأتها فى أعين كل من جلسوا يحدقون فى لجنة التحكيم لمعرفة أسماء الفائزين.. ولحظات كالحلم مرت على الروائى أحمد المدينى (المغربى) لحظة إعلان اسم روايته وهو جالس بين الصفوف..

للمغرب سحر لا تشعر به إلا فى دفء قلوب أبنائه الذين يعشقون مصر ويستقبلون أبناءها بجملة براقة: «أهلا بكم فى بلدكم الثانى»..

جُملة لم أشعر فيها سوى بدفء الاستقبال وصدق المشاعر..

تحية للدار البيضاء عاصمة الأدب، وألف تحية للثقافة العربية التى وحدت العرب بكل حُب فنجحت فى إذابة الجليد السياسى الذى تراكم فوق البلدان العربية طويلا..