أشبال "كنعان" فخر العرب

مقالات الرأي



"متخافيش يا أمي مش هاقول أسماء حد".. جملة رددها طفل فلسطيني داهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزله فجرًا، للقبض عليه، لم يبد عليه أي رد فعل يدل على أنه خائف من الذهاب في قبضة هؤلاء الأنجاس الذين لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا زمة، لا فرق عندهم بين كبير أو صغير أو رجل أو امرأة، أو طفل.

عشرات الجنود الصهاينة، مدججين بالسلاح يقفون أمام باب منزل الطفل الفلسطيني محمود يوسف ماضي، بمدينة الخليل، لا يخجلون ولا يلقون بالًا لانتقادات هنا وهناك، بسبب تصرفهم الذي يبين خستهم وندالتهم، فهم طالما فعلوا تلك الأشياء التي يؤمنون بها، في كتبهم المحرفة فهذا "سفر صموئيل الأول" يقول: فالآنَ اذهَبْ واضرِبْ عَماليقَ، وحَرِّمُوا كُل ما له، ولا تَعْفُ عنهم؛ بلِ اقْتُلْ رَجُلاً وامرأة، طفلاً ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملاً وحمارًا.

مشهد الطفل الذي تودعه أمه بجملة "محمود خد بالك على حالك"، بصوت مخنوق مقهور لا حول لها ولا قوة، زلزل أُذني ورج جسدى وكادت عيناي أن تفيض من الدمع، شعرت بأني كاره لنفسي، كرهت كل خائن لهؤلاء الأطفال باع دماءهم بأبخس الأثمان، كرهت كل حاكم طّبع مع الكيان الصهيوني، غض الطرف عن تلك الجرائم التي هي سُبة في جبيننا جميعًا، كرهت مدارسنا وجامعاتنا كرهت علماء ديننا الذين أصبح جُل همهم تحليل الحرام لكل طاغية، فقهاء السلاطين، الذين شغلتهم الدنيا ومالها، شغلتهم مناصبهم وشغلهم جاههم وسلطانهم، وسعوا إلى توفير غطاء ديني لتصرفات حكامهم.

الطفل محمود، ليس الأول فسبقته إلى زنازين الصهاينة، الطفلة عهد التميمي، التي لم تهن وتضعف أمام جبروت تلك القوة الغاشمة المغتصبة للأرض، لم تثنها أسلحتهم وعدتهم وعتادهم، لم يشغلها ألم فراق أهلها وخصوصًا أمها، ولم يشغلها ما ستتعرض له في معاقل أحفاد القردة والغنازير، لم تتنازل عن موقفها في الدفاع عن القضية، فهي مولودة في وطن يفخر دائمًا بكفاحه الأعزل ضد محتل أرعن.

تلك المواقف تثبت يومًا بعد يوم، كم كان الزعيم النازي أدولف هتلر محقًا حينما أحرقهم، وشتتهم في الأرض، كما فعل ملوك وجبابرة منذ قديم الأزل معهم، وكم أنهم يستحقون غضب الله عليهم، فهم المعنيون بقوله تعالى "غير المغضوب عليهم"، قتلة الأنبياء والمرسلين، هم ليسوا شعبُ الله المختار، وأبناءُ الله وأحباؤُه، بل هم حيوانات في صور آدمية.

كما تثبت عظمة أهل كل شهيد في فلسطين، حتى وإن كان هناك ألم يعتريهم لفراق أحبائهم، إلا أنه في داخلهم فخر بما قدموا لقضيتهم، ويصرون كل يوم على تقديم شهيد، أو معتقل من أجل إثبات أحقيتهم في الأرض، وإرسال رسالة للعالم كله "نحن هنا، لا أحد يتكلم بلساننا، ولا يحدد مصيرنا".

مسيرة العودة الكبرى التي ينظمها أهل فلسطين الأسبوع الجاري، إحياءً لذكرى يوم الأرض، ما هي إلا خير دليل على صمود هذا الشعب الأبي، الذي قدم خلالها منذ انطلاقها 16 شهيدا حتى الآن، ومئات الجرحى، بنيران الصهاينة، في غزة والضفة الغربية، يظهرون دائمًا استذكارهم هدفهم في استعادة الأرض، ويثبتون للعالم سلميتهم التي هي أقوى من رصاص محتلهم الغاشم.

ورُغم الحزن الشديد والألم الذي اعتصر قلبي، لذلك المشهد، إلا أن الفخر بداخلي زاد اتجاه أهالي فلسطين، رسالة هذا الطفل وغيره، وموقف الطفلة الفلسطينية عهد التميمي، وصلت إلينا جميعًا وهي "لا تخافوا فلسطين بأمان أطفالها على العهد دائمًا، هم من يحملون لواء الجهاد والكفاح ضد المحتل، ولن يسلبها أحد كائنًا من كان منهم"، هل هناك أدنى شك في أن تلك العقلية والعقيدة التي يؤمن بها أهل أرض الأنبياء عليهم السلام، يمكن أن تجعلهم في يوم من الأيام يفرطون في شبر من أرضهم؟ بالطبع لا.. إنهم وبكل فخر وحتى إن تخلى عنهم الخونة من بني جلدتهم، لن ينسوا قضيتهم وقضيتنا جميعًا، كل طفل يولد منهم، يلقنه أبواه جملة واحدة "قاوم الصهاينة المحتلين"، يشِّب عليها، ويكبر وسط أصدقائه، يؤمن بأن بني صهيون اغتصبوا أرضه، ولابد له ولأصدقائه أن يعولوا على أنفسهم في استردادها إنهم أشبال كنعان على العهد صامدون.