مي سمير تكتب: جون بولتون "طفل ترامب المُدلل"

مقالات الرأي



يخطط لنهاية العالم

مستشار الأمن القومى الأمريكى الجديد اقترح إبادة سوريا والعراق وطالب إسرائيل بتدمير إيران ومحو فلسطين


بعد أسابيع من الشائعات.. استبدل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مستشاره للأمن القومى، إتش آر ماكماستر، بالسفير الأمريكى السابق لدى الأمم المتحدة، جون بولتون. وفور ذلك، أعرب العديد من خبراء السياسة الخارجية عن قلقهم الكبير واستيائهم من تعيين بولتون فى ذلك المنصب، حيث قال مساعد وزير الخارجية السابق فيليب كرولى: «كنت مدعوا إلى العشاء مع بعض الدبلوماسيين الأوروبيين أواخر عام 2016، عندها ظهر اسم ريكس تيلرسون كمرشح لمنصب وزير الخارجية، ورغم أنهم كانوا لا يعرفونه جيدا أعربوا عن ارتياحهم؛ لأن الخيار آنذاك لم يكن جون بولتون».

وفى إطار حالة الغضب الممزوج بالترقب التى أصابت الأروقة السياسية بالولايات المتحدة الأمريكية، نشر موقع Right Web، الذى يتتبع أنشطة مجموعة واسعة من الشخصيات والمنظمات اليمينية والعسكرية، ملف تعريفى «بروفايل» عن شخصية بولتون، الذى يتم وصفه بـ«الصقر الجمهورى».


1- المحافظين الجدد

جون بولتون هو زميل للمحافظين الجدد فى معهد أميركان إنتربرايز، وكذلك رئيس مجلس إدارة معهد جاتسون، وينتمى إلى الجناح اليمينى المؤيد لإسرائيل، الذى اتهم من قبل بمعاداة المسلمين، وهو عضو مؤثر فى مجال الأمن القومى، وعضو سابق فى مجلس إدارة مشروع القرن الأمريكى الجديد، كما شغل منصب مستشار المعهد اليهودى لشئون الأمن القومى، علاوة على أنه محلل دائم الظهور على فضائية فوكس نيوز، وصحف وول ستريت جورنال، واشنطن تايمز، ويكلى ستاندارد، وغيرها من وسائل الإعلام اليمينية.

بولتون كان شخصية بارزة فى الحزب الجمهورى منذ شارك فى الخدمة ضمن إدارة الرئيس الأمريكى الراحل ريجان فى الثمانينيات، حيث شغل سلسلة من المناصب فى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، قبل الانضمام إلى فريق من محامى الجمعية الفيدرالية بقيادة النائب العام إدوين ميز، عمل بعد ذلك فى عدة مناصب رفيعة المستوى، خلال فترة إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، بما فى ذلك منصب كبير دبلوماسيى وزارة الخارجية لمراقبة التسلح، وكذلك كسفير للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.

وكان الهدف الرئيسى لعمله داخل وخارج الحكومة هو تحرير القوة العسكرية الأمريكية من القيود الدولية، ولطالما رفض بولتون شرعية الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، وفى خطاب عام 1994 بالجمعية الفيدرالية العالمية، قال بولتون بشكل صارم: «لا توجد منظمة الأمم المتحدة، هناك مجتمع دولى يمكن أن يقوده فى بعض الأحيان القوة الحقيقية الوحيدة الباقية فى العالم، وهذه هى الولايات المتحدة».

كما رفض المعاهدات الدولية، ويصفها بأنها غير ملزمة، وكان أحد المعارضين الرئيسيين للمحكمة الجنائية الدولية، التى ادعى ذات مرة أنها ستحول كبار المسئولين المدنيين والعسكريين عن دفاع أمريكا وسياستها الخارجية إلى أهداف محتملة للمدعى العام، غير الخاضع للمساءلة سياسياً فى روما.

وبعد وقت قصير من انتخاب ترامب، ذكرت التقارير الصحفية أن بولتون كان مرشحا لمنصب وزير الخارجية، ثم برز اسمه لكى يحل محل الجنرال المتقاعد المثير للجدل مايكل فلين، الذى أُجبر على ترك منصبه كمستشار للأمن القومى بعد أسابيع فقط من تنصيب ترامب؛ بسبب اتصالاته المثيرة للجدل مع المسئولين الروس.

فكرة اختيار بولتون كمستشار للأمن القومى، عارضها الديمقراطيون بشكل كبير، وقسمت الجمهوريين، بينما دافع السناتور المتشدد تيد كروز عن ذلك الترشيح، على عكس السناتور التحررى راند بول، الذى وصفه بـ«خيار سيئ يمكن أن ينتهى به الأمر لترويج حروب سرية».

وفى مارس 2018، ظهر اسمه مرة أخرى كمرشح لمنصب مستشار الأمن القومى، واستخدم بولتون ظهوره المتكرر على قناة فوكس نيوز للترويج لأفكاره السياسية، حيث عارض على سبيل المثال بقوة أى مفاوضات مع كوريا الشمالية، كما أعرب عن أفكار أكثر راديكالية، مثل حل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى من خلال ضم الأردن للضفة الغربية، وهو أمر أوضحت المملكة أنها لن تفعله أبدًا.

وفى فبراير 2015، أنشأ بولتون مؤسسة الأمن والحرية الأمريكية (FASF)، وهى منظمة تصف نفسها بأنها ملتزمة باستعادة وحماية مصالح الولايات المتحدة الأمنية الوطنية الحيوية، وتشير المنظمة فى موقعها على شبكة الإنترنت إلى أنها تهدف إلى تعزيز الخطاب العام وتوضيح الروابط التى لا تنفصل بين السياسات الوطنية الأجنبية والمحلية القوية.

وقال موقع «بريتبارت» المحافظ، عن إطلاق الشركة: «إن FASF تم تأسيسها لمساعدة أمريكا على تجنب الخطأ فى انتخاب رئيس لا يهتم كثيرا بالأمن القومى الأمريكى، كما حدث عند انتخاب باراك أوباما فى عامى 2008 و 2012».

وفى أغسطس 2015، أنتجت مؤسسة FASF إعلانا تلفزيونيا يهاجم التعليقات التى أدلى بها السناتور راند بول، حول سلاح نووى إيرانى افتراضى، وظهرت فى الإعلان عائلة أمريكية جالسة فى مأدبة لتناول العشاء، عندما يحدث انفجار نووى فجأة، ثم ينتقل الإعلان بعد ذلك إلى خطاب ذكر فيه بول أن الأمن القومى الأمريكى لا يهدده امتلاك إيران سلاحاً نووياً واحداً، لينتهى الإعلان بجملة «أن الأمر لا يتطلب سوى سلاح واحد، إيران النووية تشكل تهديدًا لأمننا القومى».


2- الشرق الأوسط

كان بولتون من بين أبرز منتقدى إدارة أوباما، خاصة فى قضايا الشرق الأوسط، ووصف مراراً أوباما بـ«الضعيف»، وهو أحد المؤيدين بشكل خاص للادعاء بأن إيران تطور أسلحة نووية، على الرغم من تقارير المخابرات الأمريكية، التى تؤكد العكس، واتهم إدارة أوباما بتمكين طهران من خلال التعامل معها دبلوماسيا.

وكتب فى أبريل 2014: «خلال التفاوض مع إيران، لم يسمح أوباما لها بإضفاء الشرعية على برنامجها للأسلحة النووية فحسب، بل سهل بشكل موضوعى التهديد العالمى المميت من قبل طهران»، وأصر بولتون على أن برامج إيران للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية ستستمر دون عوائق فى أماكن مجهولة وغير معلنة، وفى مقالة افتتاحية لصحيفة نيويورك تايمز بعنوان «وقف القنبلة الإيرانية، قصف إيران» فى مارس 2015 ، دعا بولتون صراحة إلى توجيه ضربات عسكرية ضد إيران.

كما دعا فى هذه المقالة إلى القيام بهجوم عسكرى مثل هجوم إسرائيل عام 1981 على مفاعل صدام حسين «أوزيراك» فى العراق، أو تدميرها عام 2007 لمفاعل سورى من تصميم وبناء كوريا الشمالية، وأضاف: «لا يمكن للولايات المتحدة بمفردها أن تقوم بهجوم عسكرى شامل، لكن إسرائيل وحدها تستطيع أن تفعل ما هو ضرورى، يجب أن يقترن مثل هذا الإجراء بالدعم الأمريكى القوى لمعارضة إيران، بهدف تغيير النظام فى طهران».

ليس ذلك فحسب، بل انتقد بولتون موقف إدارة أوباما من سوريا، حيث كتب فى سبتمبر 2013 أن الرئيس الأمريكى فشل فى تحقيق هدفه المعلن، بإطاحة نظام الأسد السورى من السلطة، ولا أعتقد أنه فى مصلحة أمريكا أن تكون طرفاً فى النزاع السورى»، وبعد قرار روسيا فى أكتوبر 2015 بتعزيز وجودها العسكرى فى سوريا وشن ضربات جوية ضد الجماعات المتمردة هناك، صرح بولتون فى إحدى مقالات واشنطن تايمز بأنه على الولايات المتحدة أن تعمل على هزيمة داعش، وتشكيل دولة جديدة على الأراضى التى تسيطر عليها «سوريا والعراق».

ويرى أن مثل هذه الدولة السنية الجديدة يمكن أن تلعب دوراً محورياً فى محاربة النفوذ الإيرانى فى سوريا والعراق، فكتب: «يتعين علينا عاجلا أو آجلا أن ندرك حقيقة أن كردستان هى دولة مستقلة موجودة الآن، حتى وإن لم يتم إعلانها بحكم القانون».

بولتون هو أيضا واحد من كبار المؤيدين لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو اليمينية، وكحال العديد من أعضاء حكومة نتنياهو، يعارض قيام الدولة الفلسطينية، ويزعم أن وجود دولة فلسطينية يعنى حتما وجود دولة إرهابية على الجانب الآخر من الحدود مع إسرائيل، كما انتقد حل الدولتين من أجل إنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وبدلاً من ذلك، ردد بولتون حجج بعض القوميين الإسرائيليين، بأن الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية وغزة غير مترابطة، ويجب التنازل عنها على التوالى إلى الأردن ومصر، بدلا من دمجها فى الأراضى الفلسطينية المستقلة.

بهذه القائمة من الآراء المتطرفة والمواقف المتشددة، يترقب العالم التغييرات التى من الممكن أن تشهدها السياسة الخارجية لأمريكا، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، علاوة على أن سجل بولتون الطويل فى تعزيز العمل العدوانى واحتقار الدبلوماسية، يدفع الكثير من المحللين إلى توقع وصول العلاقات الخارجية الأمريكية إلى مرحلة الانفجار.