د. رشا سمير تكتب : وأصبحنا على وطن

مقالات الرأي



حين اختُطفت ثورة مصر كانت كالعروس التى سُرق كُحل الفرح من عينيها.. وحين سطت عصابة الإخوان على مقدرات الوطن، تاه الطريق من تحت أقدامنا فسكنا تلك المغارة السحيقة وانزوينا ننتظر ضوء النهار، عله يسطع ذات يوم..

يومها اتشح مقالى الأسبوعى بالسواد.. وقررت ألا أخلع ملابس الحداد إلا عندما يسكن الفرح قلب وطنى من جديد..

وحين اخترت عنوانا لعامودى الصحفى.. وجدت نفسى اسميه (تصبحوا على وطن)..

نعم ولأننا كنا قد فقدنا الأمل فى أن نُصبح على وطن..

واليوم عادت إلينا مصر.. عادت لتسكننا ونسكُنها.. عادت لتعيش فينا ونعيش فيها.. عادت فأعادت لنا الأمل والحُلم والريادة..

اليوم نشكر جيش مصر العظيم الذى انحاز وبكل رجولة لشعبه الواثق القوى..

اليوم ونحن على أعتاب افتتاح قناة السويس الجديدة، قررت أن أكتب رسالة إلى مصر.. فمقالى هذا الأسبوع مقال خاص جدا لأن مداده كلمات بمذاق الحُرية..

قررت أن أكتب إليك يا مصر.. فقط حين أصبحنا على وطن:

فتحت عينى لأجد نفسى جزءاً من أرض مصر..

جزءاً من وطن انحنت أمامه الأمم..

جزءاً من حُلم السبعة آلاف سنة حضارة..

جزءاً من تراب كالزعفران.. ونيل يحمل بين طياته أسرار وحكايات لحضارات ولت وحضارات أتت وهو شاهد صامد عليها..

جزءاً من وطن ذكره الله وحفظه فى قرآنه المجيد..

لم أتردد يوما فى حُب مصر، ولا عجب فأمى علمتنى أن الوطن هو الحضن والحصن والعلم..

ولم أشعر يوما بقسوة الحياة على تلك الأرض المباركة، فلا عجب لأنى ترعرعت فى بيت فارس من فرسان جيش مصر، علمنى أن الأرض هى العرض والأهل والمهد..

قرأت كثيرا فى تاريخ مصر، فلمحت من بين صفحاته، قصصاً وحكايات..

استعمار.. طوفان.. خوارج.. لصوص.. حروب.. ثورات.. طاعون.. عشق.. ليل..

لكل حقبة حكاية..

ولكل زمن راوٍ..

ولكل ثورة جنود..

ولكل حرب فرسان..

ولكل أجل كتاب.. إلا مصر..

إلا مصر..

بقيت حتى وإن فنت حضارات، أو ماتت رموز.. وسقط الفرسان..

أجيال سلمت أجيال..

أقلام روت لأقلام..

حكايا رسخت لحكايات..

ليال طوت أيام..

وبقيت مصر..

بقيت مصر مثل أبو الهول.. حارس أمين لحضارة فراعنة حكموا بقبضة من حديد.. وملكات عشقوا بقلوب من حرير مخملى.. وبناة شيدوا مسلات وإهرامات ومعابد.. وفرسان صوروا فتوحاتهم على حوائط معابد طيبة بأسنة رماحهم..

وبقيت مصر، مثل النيل.. يجرى وعلى ضفافه يغزل العشاق أثواباً من الحب، وتبره الأسمر يحمل الأمل لأرض إيزيس..

بقيت مصر، مثل أشجار النخيل.. باسقة تنظر إلى السماء، مشرئبة العنق لا يناطحها سوى السحاب ولا تضاهيها سوى الأقمار فى السماوات الرحبة..

بقيت.. لتمنح الدنيا من تحتها الكبرياء وهى صامتة.. عاشقة.. أبية..

هذه هى مصر التى زانت الشرق بجمالها، وأهدت العالم رموزاً أخرجتهم من رحم العبقرية والموهبة..

أهدت العالم قيثارة الشرق أم كلثوم.. ومايسترو الأفئدة مجدى يعقوب.. ونحات الكلمة نجيب محفوظ.. ورسام المعنى أحمد رامى.. وساحر النغمة محمد الموجى.. وعاشق الحرف حسين السيد.. وزعيمة المرأة هدى شعراوى.. وملكة الصحافة روز اليوسف.. ومرهفة المشاعر فاتن حمامة.. وسيد الضحكة نجيب الريحانى.. وفارس السلام أنور السادات..

إن مصر هى كل هؤلاء.. وغيرهم ممن سكنتهم الموهبة ولكن لم يحالفهم الحظ..

فمصر التى أنجبت هؤلاء من رحم شمل الجميع بالحب، لقادرة على أن تنجب أجيالا أقوى وأعظم..

هذه هى مصر التى سكنتن واحتوتن وطوقتن بالحب..

هذه هى مصر التى كرست قلمى لأكتب عنها وقلبى ليغازل ترابها..

هذه هى مصر التى أعطتن ولم تطلب منى المقابل..

إليك يا مصر.. أنحنى عند قدميك وأهديك ماكتبته فى حبك مواويل وأشعار..

إليك يا مصر أكتب بقلم كان بكل الحب يسطر تاريخك المجيد.. فتارة يدافع عنك وتارة يشيد بك.. وستظل الكلمات أبدا تفيض من بين أصابعى بالحُب لك ومنك وإليك..

وأخيرا.. أصبحنا على وطن...